أربعمائة ريال وواحد !!
علي .. شاب عماني يعمل في القطع الحكومي براتب سبعمائة ريال عماني ، بعد اكماله السنتان في الوظيفة اعجب بفتاة من بنات قريتهم وقرر الزواج منها ، جمع علي اباه واخوته وطرح عليهم فكرة الزواج باركوا له ومن ثم هاتف ابوه والد الفتاة ليحدد موعداً للزيارة ، توجه أبو علي بمعية علي واخوته وشيوخ قبيلتهم وبعض اعيان منطقتهم لخطبت الفتاة ، ولكون أن والدة علي كان قد سبق لها وان تحدثت هاتفيا بالموضوع مع ام الفتاة فقد كانت عائلة الفتاة قد تناقشت الموضوع وجمعت معلومات عن علي وأهله وبعد التأكد من اخلاقه وباقي الامور تمت الموافقة ، عموما بعد أن وصل علي وأهله لبيت الفتاة وبعد أخذ "الأخبار والعلوم" دخل أبو علي في موضوع الخطوبة ، فأجاب والد الفتاة بأنهم قد ناقشوا الموضوع وانهم موافقون ، فابتهج علي في سريرته ، دخل أبو علي مباشرة في مناقشة تفاصيل الزواج فتفاجأ أنهم يطلبون ثمانية آلاف ريال عماني كمهر بالاضافة الى بعض الشروط الأخرى كاشتراط ان يكون حفل الزفاف في قاعة الكريستال بفندق قصر الحديقة وأن يتحمل علي مصاريف العرس كاملة من أكل وشرب وضيافة ، بالاضافة الى ساعة ماركة " RADO " وشبكة و"مندوس" مليء بالملابس وغيرها من الشروط الكثير !! ذهل ابو علي من الطلبات فاستئذن وأخذ علي على جانب ليستشيره ويناقشه فتعجب ان علي موافق على كل تلك الشروط ، فسأله : ومن أين ياعلي ستوفر كل تلك المبالغ وأنا واخوتك كما تعلم لا نملك شيئا لنساعدك؟ فرد علي : لا عليك يا أبي سأتصرف !! رجع الاثنان الى المجلس فأخبرا والد الفتاة بأنهم موافقون على المهر وعلى كل تلك الشروط ، وبعد ان رجع علي وجماعته إلى المنزل اجتمع به أبوه وأخوته ليضعوا حسبة تقريبة لمصاريف الزواج ، فكان الناتج اكثر من ثلاثة عشر ألف ريال عماني !! المهر ثمانية آلاف والشبكة بألف ونصف تقريبا والساعة بكذا ريال ومصاريف الزواج الأخرى كالقاعة ووجبات المعازيم وغيرها بالشيء الفلاني ، اضافة الى مايقارب الخمسة آلاف ريال لفرش الشقة التي سيعيش فيها !! فسأل والد علي علياً : من أين ستأتي بما يقارب من تسعة عشر ألف ريال عماني ؟؟ انت راتبك سبعمائة ريال ولو وفرت نصف راتبك شهريا فستحتاج الى مايقارب الست سنوات لتجميع مبلغ كهذا !! فرد علي : ساقترض المبلغ من البنك !! حاول والد علي وأخوته إقناعة للعدول عن قراره والتفكير في فتاة أخرى عله يجد غيرها بمهر ومصاريف أقل ؟ فما كان هنا إلا أن تدخلت والدة علي قائلة : أصلا متوسط مهور البنات بهذا الزمان اصبح لا يقل عن سبعة آلاف ريال عماني ، وطبعا الجماعة " شيوخ " فطبيعي جدا أن يطلبوا ثمانية آلاف !! أصلا علي ماراح يحصل أحسن من هالبنت ، فرح علي بتدخل امه فقد أنقذته من الموقف ، عموما واختصاراً للقصة توجه علي الى البنك واخذ السلفة وتزوج من اختارها قلبه وكانت أول أيامهم سعادة وفرح ، وماهي إلا اشهر وبدا الفرح يتحول إلى تعاسة وشقاء، بل بدأ علي وزوجته يدخلان حياة التقشف شيئاً فشيئاً ، فراتب علي يذهب نصفه إلى البنك ويتبقى له 350 ريالا فقط ، يذهب 150 ريالا منها كايجار لشقته ، ويذهب جزء من الملبغ المتبقي لدفع قسط سيارته ، فيتبقى لعلي أقل من 100 ريال عماني شهريا كمصاريف معيشية !! بدأت الالتزامات تزداد والحياة تضيق والأمور تتأزم على علي وزجته ، بدأت زوجته تبيع ذهبها شيئا فشيئا حتى تساعده في تغطية المصاريف ، نفذ الذهب !! ماذا يفعل الاثنان الان !! كيف يكملا بقية الشهر بأقل من مائة ريال !! اضطر علي للذهاب الى البنك من جديد لتجديد السلفة لدفع بعض الالتزامات الاخرى !! غرق علي وزوجته في الديون !! هاهو علي وزوجته يرزقان بالابن الثالث وهما مايزالان بنفس الشقة ليس لديهما في الرصيد البنكي من شيء !! هاهو علي وزوجته يتقدمان في السن وهاهو ابنهما الرابع ينهي الصف الثاني عشر وهما مايزالان يدفعان قيمة قرض زواجهما الذي لم يتحرك في قيمته الحقيقية بل مايزالان يدفعان فوائد القرض ، انهما لم يتمكنا من تأمين حتى بيت ملك للعائلة حتى الان !!
لا تتعجب عزيزي القاريء .. ماذكرته بالأعلى ليست قصة من وحي الخيال وليست فلماً هندياً ، بل هي قصة مستوحاة من الحقيقة من حالات اعرفها شخصيا وتعيش بيننا وتتألم يوميا !! للاسف الشديد مشكلة ارتفاع قيمة المهور من المشاكل الاجتماعية ذات الأثر المباشر إقتصاديا على فئة الشباب بشكل خاص وعلى المجتمع ككل بشكل عام !! ففي الوقت الذي نطالب فيه من الدولة حل مشكلة الديون وانشاء صندوقاً للزواج لم يلتفت أي منا إلى أننا نحن كمجتمع نشكل عنصراً رئيسيا من هذه المشكله !! بل في الحقيقة نحن ساهمنا في شكل مباشر في خلق المشكلة ، وبالتالي فبالإضافة الى مطالبتنا الدولة بحل مشكلة الديون وإنشاء صندوق الزواج تلك الطلبات التي نتمنى ان ترى النور قريبا ، فإنه يكون من الواجب علينا أيضا أن نطالب المجتمع بالعمل على تفعيل دوره للحد من هذه المشكلة وآثارها ، فاذا ما افترضنا ان الدولة اسقطت الديون لمرة واحدة فإنه في ظل انتهاجنا لنفس النهج فإن المشكلة ستظل قائمة والديون ستظهر مرة أخرى وبشكل مستمر فهل سنطلب من الدولة ان تسقط الديون بشكل دوري !! ام ان علينا ان نقوم بتنفيذ الواجب المنتظر منا لحل هذه المشكلة من طرفنا كمجتمع !! .. أعلم أن الكثير قد يخالفني الرأي ولكن من وجهة نظري هذه هي الحقيقة ، اذا رجعنا لبحث كيفية بداية انخراط الشباب في الديون سنجد أن الكثير منهم ان لم يكن أغلبهم اول مايتوجه إلى البنك لأخذ قرض يكون بهدف الزواج ، تناسينا للاسف قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " أقلهن مهرا أكثرهن بركة " !! أصبحنا في سباق مع بعضنا للتنافس على الشكليات والمظاهر ، اصبح همنا ان ترتدي العروس فستان لا يقل عن فستان فلانه وأن تكون حفلتها افضل من حفل فلانه حتى نرضي غرورنا ونرضي الناس ، كنا منذ سنين مضت ننادي بوجوب تخفيض المهور وتسهيل تكاليف الزواج على الشباب لما في ذلك من منافع دينية واجتماعية واخلاقية بل وحتى جلالة السلطان نادى شخصيا بوجوب تخفيض المهور إلا أن الغريب انه وبالتزامن مع تلك النداءات قفزت المهور من جديد لمستويات أعلى بل وبما يجاوز الضعف في كثير من الأحيان ، فمثلا في بركاء كانت قيمة المهر المتعارف عليه بين الناس الفي ريال فقط والان وصلت لسبعة آلاف ريال وأكثر ، هذا غير تكاليف الزواج الأخرى !! بل حسب علمي أنه في بعض محافظات السلطنة الأخرى تصل تكاليف الزواج الى عشرين ألف ريال وأكثر !! ماهذا !! هل فعل ان هذا مهر !! شخصيا اعتقد أن البعض بدأ ينتهج منهج المتاجرة ببناته !! فالمصيبة أن كثير من أولياء الأمور – للأسف - اصبح يستولي على جزء من مهر الفتاة إن لم يكن الجزء الأكبر منه بحجة أنه يعتبر حقاً من حقوقه فهو – من وجهة نظره - من ربى وتعب !! ياسلام !! وهل عندما نربي أطفالنا ننتظر مقابلا ماديا منهم عن تلك التربية !! هل نسي اولائك الاباء قول الله سبحانه وتعالى في كتابه المبين ( وآتوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ( !! بل ويتجه بعضهم للأسف الى أخذ ابنته التي تعمل الى البنك لأخذ اكبر قدر ممكن مسموح به من القرض هذا إذا كانت تريد الزواج وإلا فلتقعد بالبيت !! اسلوب ضغط !! عذراً أقصد اسلوب ابتزاز حقيقي !! وهذا سبب آخر من أسباب الدخول في دوامة القروض والتي تدفع اليه بناتنا دفعا ويقبلنه مكرهات لا لشيء الا للزواج والاستقرار !!
اولم يفكر أي من أولياء الأمور من أين سياتي شاب بدأ للتو مشوار حياته العملي بمبلغ يتجاوز العشرة آلاف ريال – كمتوسط – في حين أن راتب كثير من الشباب لا يتجاوز السبعمائة ريال خلال السنوات الأولى من العمل وألم يفكر الاب الذي يدفع ابنته للاستدانة من اجل ان يملأ جيبه هو بالمال ماهي انعكاسات ذلك التصرف على ابنته مستقبلا !! والمصيبة أن ذلك النهج من التصرفات سواء اكان غلاء المهور او اجبار الفتاة على الاستدانة تجده منتشراً بشده عند الطبقات المتوسطه ودون المتوسطه من المجتمع !! في حين أن هنالك بعض الطبقات فوق المتوسطه في مجتمعنا ملتزمة جدا بمبدأ التسهيل على الشباب في مهور الزواج وأخص بالذكر هنا وأشيد بـ " اللواتيا " !! فهؤلاء الناس تجدهم كلهم تقريبا ملتزمون بمبلغ (401) أربعمائة ريال عماني وواحد كمهر لبناتهم وهو مبلغ غير قابل للزيادة في أي حال من الأحوال !! لا أدري حقيقة ماهو الأساس الذي وضعت عليه هذه القيمة إلا أن مايهمني هو الاشادة بذلك التوجه ، ليت كل العمانيين وكل الاسر العمانية تنتهج ذلك النهج لكانت حلت مشكلات جمة تفتك بالمجتمع فتكاً كمشكلة الديون والعنوسة والانفلات الاخلاقي وتاخر سن الزواج وازدياد الفجوة بين الأجيال.. لا أطالب هنا أن نلتزم جميعا بنفس تلك القيمة ولكن اطالب بأن نستفيد من ايجابيات غيرنا في حل مشاكلنا ومن ثم نتفق جميعا على وضع سقف أعلى للمهور لا يجوز لأي منا تجاوزه والا اصطدم برد فعلي مجتمعي مشترك .
الغريب والذي يقهرني شخصيا أن البعض عندما تناقشه بوجوب تخفيض المهور مع ضرب حالات واقعية تجد رده يكون كالاتي : " اكيد ان البنت فيها شيء او في اصولها شيء !! " ياسلام !! ومنذ متى تقدر قيمة الفتاة وأصلها بالمال !! نعم للأسف .. كثير منا يربط بين غلاء المهر وأصل الفتاة او نسبها !! أذكر مرة عندما زوج أحد الصالحين من بلادنا ابنته " المدرسة " لشاب بمهر قيمته " خمسين " ريالاً دون أن يأخذ الأب ريالا من ابنته كيف أن كثير من الناس من ذوي العقول الضيقة كانوا يتحدثون عنهم ويغتابونهم بل وصل البعض حتى الى التحدث في امور لا اود الخوض فيها !!
ختاما ارجوا من الجميع تشجيع الشباب على الزواج من خلال تخفيف تكاليفه عليهم ، ولنجعل تفكيرنا يرتكز على كيفية اقامة اسر عمانية مستقرة سعيدة قادرة على تحمل مسؤوليات الحياة وعلى خلق اجيال متعلمة مثقفة تتحمل المسؤولية قادرة على قيادة الوطن والقيام به مستقبلا بدلا من النظر الى الزواج على أنه فرصة للتربح والاستعراض امام الناس والتنافس في شكليات ترهق ميزانيات الشباب بل وميزانية البلد وتبقى اثارها غير منتهية لعقود من الزمان .
سعود الفارسي
3/9/2012م
مقال جميل جدا عزيزي ، أحييك عليه
ردحذف.
بالنسبة لقبيلة اللواتيا ، فأن ال401 ريالا عمانيا جاء من باب تقدير قيمة الفضة في أيام الرسول (ص). حيث أنَّ المصطفى (ص) زوّج ابنته السيدة فاطمة الزهراء (ع) لعلي بن ابي طالب بمهر الا وهو درع علي، و جاء تقدير قيمته في هذا الزمن 401 ريالا عمانيا.