مبادرة !! حكومية !!
مبادرة هي مصدر الفعل " بادر "
ومعناها عمل أو سلوك يقوم به أو يقترحه أحد الأشخاص قبل سواه ، وبالتالي
فعندما نستخدم كلمة مبادرة فإن مايتبادر إلى الذهن قيام أحدهم بتقديم مقترح أو
البدء في تنفيذ أمر قبل غيره ، وبالتالي فالمفترض أن هنالك إمكانية وجود منافسة
بين المبادر وبين غيره وكان بالإمكان أن تنسب المبادرة إلى غيره لو كان قد تأخر المبادر
في الاقتراح او التنفيذ .
بحثي
للمعنى اللغوي لكلمة " مبادرة " جاءت بعد أن استوقفني استخدام هيئة
تنظيم الإتصالات لتلك الكلمة في أحد مشروعاتها الجديدة المعني بتوصيل خدمات الاتصال
إلى بعض المناطق الريفية المحرومين سكانها من خدمات الاتصالات بشتى اشكالها والسبب
" لعدم وجود جدوى اقتصادية " من وجهة نظر الهيئة والشركات المشغلة !
قبل
مايربوا على سنة وتحديدا بتاريخ 9/5/2012 كنت قد كتبت مقالا بعنوان " كثر
شاكوك وقل شاكروك ياهيئة تنظيم الاتصالات!! " كنت قد تناولت فيه أهم الاشكالات التي يواجهها قطاع الاتصالات
في السلطنة من وجهة نظري كمواطن والتي من بينها العزلة التي تعيشها الكثير من
القرى والمناطق الريفية في محافظات مختلفة من السلطنة ومايعانيه سكان تلك
المحافظات من صعوبات حياتية يومية بسبب ذلك ، وكان رد الهيئة دائما أن الشركات
تتعذر بعدم وجود جدوى اقتصادية ! وقد قلت في وقتها أن الخدمات الأساسية من كهرباء
وماء واتصالات ومواصلات من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل مواطن على
أرض الطيبة عمان ، بل تعد حقاً من حقوق المواطنة التي لا يجوز ربطها بالجدوى
الاقتصادية في أي حال من الأحوال ، وعليه فعلى الهيئة دفع تلك الشركات لتوفير
الخدمة بغض النظر عن تكلفتها ، وبصراحة أستغرب من التحجج بالجدوى الاقتصادية في
حين أن شركات الاتصالات بالذات تحقق مئات الملايين من الأرباح سنويا !! وعليه فكم
ستكون نسبة تكلفة إيصال الخدمات لكافة ربوع السلطنة من صافي الأرباح المحققة !
عموما في مقالي هذا لا أقلل من أهمية تلك "المبادرة" التي " تقودها
" الهيئة بالاشتراك مع شركتي الاتصالات اليتيمتين في السلطنة لتوصيل خدمات
الاتصالات " لبعض " القرى الريفية البعيدة عن مراكز الولايات ولو أنها
جاءت متأخرة ، بل أوجه كلمة شكر لهم فالمثل يقول " ان تصل متأخراً خيراً من
ألا تصل " ولكن مايغيضني شخصيا إستخدام تلك المصطلحات الرنانة في موضع غير
موضعها لا لغوياً ولا عملياً ! هل عندما تقوم جهة حكومية " مختصة "
بممارسة " اختصاصاتها " المحددة في أداة إنشائها تمارس نوعا من أنواع
" المبادرة " !! إذن ستصبح غدا الأعمال الحكومية كلها عبارة عن "
مبادرات " !! فهيئة حماية المستهلك عندما تكشف بعض السلع الفاسدة فإن ذلك
سيكون مبادرة !! ووزارة البلديات عندما تقوم بإغلاق بعض المحلات المخالفة فإن ذلك
سيعد مبادرة !! ووزارة الاسكان عندما تدخل الخدمات الالكترونية إلى نظامها فإن ذلك
سيكون مبادرة !! وجهاز شرطة عمان السلطانية عندما أدخل نظام دفع المخالفات عبر
الانترنت فإن ذلك كان من قبيل المبادرة !! ووزارة النقل عندما تقوم بشق طريق جديد
إلى إحدى القرى النائية فإن ذلك يعد مبادرة نظرا لعدم وجود جدوى اقتصادية فتلك المنطقة
ليس بها سوى عشرة منازل !! وبالمقابل هل هنالك من جهة " مختصة " أخرى بالجهاز الإداري للدولة يملك اختصاص
تنظيم الاتصالات غير هيئة تنظيم الاتصالات حتى يصدق على عملها هذا وصف "
مبادرة " !!
ختاما مع كل التقدير لهيئة تنظيم الاتصالات على هذا العمل ، إلا أنني شخصيا أتمنى منها
ومن غيرها من وحدات الجهاز الإداري للدولة عدم تضخيم ماتقوم به من أعمال يعد من
صميم أعمالها باستخدام كلمات رنانة لتسليط الضوء وللاستهلاك الإعلامي ، فإن ماتقوم
به هو واجب لا تفضل !
سعود
الفارسي
8/4/2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق