الأمور طيبة .. معاليك !!

الأمور طيبة .. معاليك !!

بالأمس .. كانت وسائل وقنوات وبرامج التواصل الإجتماعي نشطة جدا تتناقل صور لشاحنة تحمل أثاث مدرسي جديد مكون من طاولات وكراسي وسلال مهملات ، وصورة أخرى لمجموعة من الأصباغ ، وثالثة لمجموعة من العمال يشتغلون بكل جد وإجتهاد في سباق مع الوقت للانتهاء من عمليات تركيب الاثاث وصبغ الحوائط ،بل حتى خطوط مواقف السيارات تم إعادة صبغها .. ياسلام .. استبشرت خيراً .. فقد كان حسب علمي ووفقا للصورة المرسومة بذهني والمطبوعة بذاكرتي منذ أن كنت بالمدرسة أن حال مدارسنا بائسة ومستوى النظافة فيها لا بأس به مقبول ، فقلت يبدوا أن وضع المدارس بدأ يتطور ، خصوصا بعد أن رأيت " سلال " " القمامة الراقية جدا ، ويافرحة ماتمت .. ماهي إلا ثوان ويتبع تلك الصور وصولا لهاتفي فقرة قصيرة مفادها "ما أن علمت المديرية العامة للتربية والتعليم للمنطقة الفلانية برغبة معالي الدكتورة الوزيرة زيارة إحدى مدارسها إلا وقامت بتسخير جيش من العمال مدجج بأحدث أنواع الأثاث والمعدات لتجديد مظهر تلك المدرسة وجعلها عروس " على سنجة عشرة " .. حتى إذا ما تفضلت معالي الوزيرة وزارت المدرسة وجدت أن الأمور أروع مايكون وأن مدارسنا من أفضل المدارس على مستوى المجرة ، وأن الطالب يعيش في بيئة مدرسية رائعة لا ينقصه سوى أن يضع رجلا على الأخرى على كرسي مخملي وكوب العصير الطازج في فمه وشخصان يقفان إلى جواره ممسكان بريش النعام يهفان عليه من الهواء اللطيف !

سبحان الله !! سبحان من يغير بين ليلة وضحاها من حال إلى حال !! خلال أقل من 24 ساعة تطور غير طبيعي يحدث بإحدى المدارس ، فقط لان معاليها ستزورها ! كم هي سعيدة الحظ هذه المدرسة وكم هم سعيدي الحظ إدارييها الذين قد يكون ذلك بمثابة الحلم الذي لم يظنوا يوما أنه سيتحقق !  لكني أخشى ما أخشاه أن يصل الطلاب إلى المدرسة فيعتقدوا أنهم ضلوا الطريق وأنها ليست مدرستهم فيعودون أدراجهم !

المضحك أن المعلمون وإدارات المدارس ما انفكت تشتكي من نقص الطاولات والكراسي والأقلام والأوراق والأدوات المستخدمة والضرورية للعمل التدريسي وكانت ردود المديريات العامة عادة عدم توفر الموازنات الكافية لتلبية تلك المتطلبات مما يدفع إدارات المدارس إلى الإنفاق من جيبها الخاص أو من جيب المعلم ، وفي المقابل وبين ليلة وضحاها تصبح المديريات قادرة على استبدال أثاث جديد بأثاث المدرسة البالي والمتكسر ، بل وتكون لديها المقدرة المالية على القيام بعمليات الصيانة لمدرسة بأكملها خلال 24 ساعة !! أين وجدت تلك المديرية هذا الكنز ياترى !! كم هم محظوظون !! سبحان مقسم الأرزاق !!

رسالة أوجهها إلى كل حامل أمانة وأولهم " نفسي " ، كفاكم نفاقاً وكذباً وتزييفاً وتدليساً للحقائق !! ماهذا الواقع الأليم الذي تعيشونه ! أين ضمائركم ! أين هو إيمانكم وخوفكم من رب العباد ! أوتعتقدون أنكم لن تسئلوا يوما عن أماناتكم !!  قال تعالى " كل أولئك كان عنه مسؤولا " ، أولمجرد الحفاظ على كراسيكم تزيفون الواقع وتظهرون الأمور على غير حقيقتها وتعملون المستحيل لمجرد كسب رضى المسؤول تقربا منه ! غريب فعلا مايحدث ببلادنا !! ما أن تعرف جهة معينة أن مسؤولا كبيرا بالدولة سيزور جهة تابعة لها إلا وأعلنت حالة الطواريء وجندت الجيوش الجرارة لتعمل ليل نهار بذلك الموقع ليصبح ذلك الموقع خلال فترة وجيزة إحدى المنجزات الرائعة بعدما كان مجرد مكان مهجور لا يجد من العناية والإهتمام سوى الشيء اليسير وبشق الأنفس !!  

ويسعدني ويشرفني أن أتقدم برسالة خاصة جداً إلى المسؤولين بالمديرية العامة بالمكان الفلاني ، أعزائي .. عندما نتحدث عن مؤسسة تعنى بالتربية والتعليم فإننا نتحدث عن المنشأة القدوة التي تربي أبنائنا لأكثر من اثنى عشر عاماً ، منذ أن تكون أعمارهم السادسة وحتى الثامنة عشر ، فما الذي سيتعمله أبنائنا الطلبة منكم ايها القدوة وهم يرون حال مدرستهم عادي أو اقل من العادي عند خروجهم يوم الامس منها ليتفاجئوا اليوم أن المدرسة أصبحت صرحا علميا غير ذلك  الذي تركوه بالأمس !! وأن ذلك ماهو إلا لأن معاليها ستحضر !! أوليس من شأن ذلك تعليم أبنائنا الكذب والغش والزيف !! بل ويربي فيهم أهمية السعي وراء الشكلية الجوفاء !! أية قيم وأية مباديء تلك التي ترسلونها إلى أدمغتهم !! بل أي جريمة تلك التي تركتبونها في حقهم وفي حق الوطن !!

قد يقول قائل ، إن ماقامت به المديرية من باب إكرام الضيف وإنك  يا " حالم " تستقبل ضيوفك ببيتك في أجمل حلة وأبهى منظر ، واقول لهم إن معالي الوزيرة ليست ضيفا بل هي مسؤولة عن ذلك البيت " المدرسة " وبالتالي فقد كان من الأولى أن ترى بيتها على حقيقته لتعرف مواطن الضعف فيه والمشاكل التي يواجهها لتتمكن من دراسة كل ذلك ووضع الترياق اللازم لمعالجته ! فما الفائدة أن يرى الشخص بيته في أروع حلل الذوق والجمال في حين أن أساسات ذلك البيت تنخرها " الرمة " وهو آيلٌ للسقوط في أية لحظة !! هذا أولاً ، أما ثانياً فإن ذلك القول مردود عليه كذلك بأن المدارس تستقبل ضيوفا بشكل يومي من موجهين وأساتذة زائرين وأولياء أمور ، فهل تقوم تلك المديرية وغيرها من المديريات بما قامت به  لمجرد معرفتها بزيارة معاليها !! أنا لا أتحدث عن النظافة ، فمقام معالي الوزيرة محفوظ لذلك فالاهتمام بتنظيف المدرسة شيء مفروغ منه لكني أؤكد أن حديثي هنا عن تغيير الأثاث والصيانة العجيبة !

عموما هنالك مجموعة من التساؤلات التي تدور في رأسي والتي أرى أنه من المهم مشاركتكم إياها ، أهمها :

1-           أوليس من الضرورة ألا يُعلم المسؤول الجهة التي سوف يزورها عن رغبته في الزيارة ! وأن يحتفظ بعنصر المفاجأة لتكون الزيارة سرية حتى يرى الأمور على طبيعتها وحقيقتها إذا ماكان يرغب فعلا في معرفة واقع العمل ومايصاحبه من مشكلات وعوائق !!

2-           لماذا نظل نلون الحقائق بألوان " فلاشية " من السعادة والفرح لنظهر للمسؤول أن " الأمور طيبة " ، لتبقى المشاكل وتزيد وتتفاقم وتظل الحقائق مغيبة عنه !

3-           كيف نتوقع أن تُصلح الأمور ونحن بتصرفاتنا هذه نكون من أهم المساهمين لدفعها إلى الخراب والتفاقم !

همسة أخيرة لكل صاحب مبدأ وصاحب خلق ، لكل محب لهذا الوطن ، دعوا عنكم هذه الأساليب التي لا تزيدنا إلا تخلفا ورجوعا إلى الوراء ، ولنكن شفافين واضحين واقعيين في التعاطي مع الأمور ، مشركين بذلك المسؤول ووضعه في الصورة الحقيقة ، حتى يتمكن من دراسة الامور واتخاذ القرارات اللازمة لإصلاح الوضع وتطويره ، بما من شأنه رفعة الوطن وتقدمه ومعالجة مشكلاته .

إضافة : وصلني أن وزيرة التربية والتعليم الموقرة غيرت وجهتها لإحدى المدارس بإحدى المديريات الأخرى غير تلك المعلن عنها ، ألف شكر لك معاليك .. نعم هكذا تورد الإبل .. وهكذا يكون الإداري الناجح والقيادي المخضرم .. إلى الأمام دائما وفقك الله لما فيه خير هذا البلد .

سعود الفارسي

15/5/2013م