حلمً .. في حب عمان !
بداية ، لا أخفيكم كم أغبطكم وأنتم تحتفلون
بالعرس الوطني الثالث والأربعين للحبيبة عمان ، كلٌ بطريقته ، منكم من خرج في
مسيرات ومنكم من ظهر بـ " تقليعات " منها المضحك ومنها المميز ومنها
المليء بمشاعر الفرح والسعادة ، فعلا " أغبطكم " ، فالبعد عن الوطن في
الوقت الذي يحتفل فيه الوطن بعرسه ليس بالشيء السهل ولا اليسير ، ربما لأنها المرة
الأولى التي أدون فيها في حب عمان وأنا بعيد عنها .
كم هي جميلة تلك الصور التي شاهدتها عبر مختلف
وسائل الإتصال والتي مهما بلغت من الجمال والنقاوة فهي بكل تأكيد لم ولن تنقل لنا
الصورة الحقيقية لتلك الاحتفالات ، عموما ربما هو الشوق والحنين للحبيبة هو
مادفعني للكتابة في هذا الوقت المتأخر من الليل ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فقد
استفزتني تلك التعليقات التي تنتقد الاحتفال بالعيد الوطني ! منها مامضمونه كيف
تحتفلون بالوطن والوطن ينهب ويسرق ! ومنها مامضمونه وهل إبداء الوطنية يكون
بالاحتفالات ! وأخرى لا أحبذ أن أذكرها هنا ، بإختصار تعليقات ساخطة جدا لا أدري
ماذا يريد أصحابها !
هي رسالة سريعة أود توجيهها للجميع وأولهم
نفسي ، لا أحد ينكر وجود الفساد ولا أحد ينكر وجود المشاكل والإخفاقات ، ولا أحد
ينكر وجود التربح وإستغلال السلطة من قبل بعضهم ، وكل ذلك ليس بالشيء الجديد ، وقد
نادى الكثيرون من أبناء عمان بضرورة التصدي لمثل هذه التجاوزات وكنت أحدهم ولا
أزال ، لكن بالمقابل يجب أن نقتنع بأنه ليس هنالك ثمة دولة بالعالم أجمع خالية
بشكل كامل من الفساد بصورة أو بأخرى ، حتى تلك الدول التي يتغنى بها البعض أكاد
أجزم بأن فيها فسادا وإن إختلف في شكله ومضمونه عن ذلك الذي نعرفه ونؤمن به ، من
جانب آخر يجب علينا أن نكون منصفين ، دعوني أسألكم بالله عليكم ، أولا تلاحظون أن
هنالك تحسن – وإن لم يرتقي لذلك الذي يطمح إليه البعض – في مختلف المجالات في عمان!
أولم نلاحظ التغير الكمي والكيفي في البعثات الخارجية على سبيل المثال ! في زماني
تخرجت من القسم العلمي بدرجة 90% ولم أحصل على بعثة دراسية في حين تجد بعض
الحاصلين على درجات في بداية الثمانينات اليوم يبتعثون لأمريكا للدراسة ! دعوني
أضرب لكم مثالا آخر أكثر عمقا .. هل بالله عليكم كنتم تتوقعون ولو للحظة أن يقف
بعض كبار المسؤولين بالدولة في قفص الإتهام أمام القضاء كما هو حال بعض المسؤولين
في قضايا تتعلق بالنفط والغاز هذه الأيام ! بل وأن يتناول الإعلام هذه القضية بكل
تلك الجرأة والشفافية ، بل وأن يأتي صحفي شاب كزاهر العبري ويصرح عن كل تلك التفاصيل
" الصاروخية " التي قرأناها وتجده حتى هذه اللحظة حراً طليقا ؟! أولم
تصدر أوامر جلالته قبل أيام قليلة بتوحيد رواتب القطاع المدني ! فهل من الإنصاف أن
يأتي " البعض " بعد هذا كله لينفي وجود أي تحسن في أوضاع البلد! بل
ويلصق أسوأ الأوصاف على من يحتفل بعيد عمان الوطني !
ما أود أن أقوله من كل ماسبق ، نعم ، في بعض
الجوانب مازلت – شخصيا – أرى أن التطوير والاصلاح فيها ليس بالسرعة المطلوبة أو
بالكم المطلوب ، لكن من الحق كذلك أن نقول بأن هنالك تغيراً حقيقيا بل وجذريا في
بعض الجوانب الأخرى ، ومثلما ننتقد التقصير يجب أن نشيد بما يتحقق ، أتعرفون لماذا
؟ السبب يكمن في كلمة واحدة هي " عمان " .
أحبتي .. يجب أن نعي أن مفهوم الوطنية ليس
مقصوراً على فئة دون أخرى ، شخصيا أؤمن أن الوطنية توجد بالفرد منذ ولادته ، وأنها
هي الفطرة السليمة لكل إنسان ، وعدم إتفاقي مع شخص لا يخولني التشكيك في وطنيته أو
الإنتقاص منها ، كما وأن وجود بعض الإشكاليات بالوطن لا يعني أن أضع وطنيتي خلف
ظهري! هو يوم واحد في السنة يلتقي فيه جميع أبناء عمان في نقطة إتفاق واحدة مركزية
هي " حب " عمان فيعزفون سوية أنشودة ملحمة وطنية تغبطنا عليها الكثير من
شعوب العالم الأخرى ، نعم ياصديقي دعنا نحتفل في عرسنا الوطني ، ليس هنالك من داع
للتنغيص أو التشاؤم ، هو يوم واحد فقط وسيتبقى لك 364 يوما بالسنة للإنتقاد
والمطالبة بالتطوير والإصلاح ، لننظر أحبتي دائما إلى الجانب المملوء من الكأس
لأنه هو الذي سنستفيد منه ، أما الجانب الفارغ فالتركيز عليه لن يزيدنا إلا فراغاً
وضياعا ، نعم لننظر إلى الجانب المملوء لندرسه ونضع الحلول لكيفية ملأ الجانب
الفارغ منه .
من جانب آخر قرأت ماكتبه البعض عن تعطيل
المسيرات الاحتفالية لمصالح الآخرين ، وماصاحبها من قطع للشوارع ، ومن صخب ، ومن
إختلاط بين الجنسين ، ومن أمور دخيلة
علينا، لم يتعود عليها مجتمع محافظ كمجتمعنا بل وغير مقبولة فيه وتغضب رب العباد ،
وتسائلت في نفسي لماذا ترتبط المناسبات في بلادنا بكل ماذكر؟ هل الاحتفال يجب أن
يصاحبه تعطيل لمصالح البشر ! هل يجب أن يصاحبه بعض التجاوزات اللا أخلاقية ! لماذا
لا نحرص على أن تكون إحتفالاتنا بشكل أكثر تنظيما بحيث نمنع حصول مثل هذه المشاهد؟
نعم لنحتفل .. لكن برقي ، وأظن أن لبعض الجهات المختصة دور مهم في ضبط الأمور
خصوصا شرطة عمان السلطانية ، أتمنى مستقبلا أن يتم تحديد أماكن وطرقات معينة
لإقامة المسيرات والإحتفالات يتم الإعلان عنها مقدما بوقت كاف ، بحيث تنظم المسألة
، ويعاقب المخالف ، فلربما أثناء قطع تلك المسيرات للطرقات يكون هنالك من هو مضطر
للذهاب إلى المستشفى أو أن تكون هنالك إمرأة على وشك الولادة ، أو أن يكون هنالك
من هو متوجه للمطار لديه رحلة وتفوته ، وغيرها من الحالات متوقعة الحصول ، نعم
لنحتفل ولنعبر عن فرحتنا فتلك حريتنا الشخصية ، لكن لنتذكر أن حريتنا تقف عندما
تدخل في نطاق حريات الآخرين وحقوقهم ، بل ومن باب أولى عندما تصطدم مع ثوابت الدين
الحنيف والقانون ناهيك عن عاداتنا وتقاليدنا العمانية الأصيلة .
أخيرا وليس آخرا .. وبالأصالة عن نفسي ونيابة
عن أخوتي وأخواتي بالممكلة المتحدة نوجه إليكم تحية عطرة بمناسبة العرس الوطني
الثالث والأربعين لسلطتنا الحبيبة " عمان " وكل عام وعُماننا .. وسلطانها
.. وشعبها الأبي بخير ونعمة وأمن وأمان ورخاء .. أبد الآبدين .. ودامت عُمان ..
ذلك العشق الذي لا ينتهي .
سعود
الفارسي
18
نوفمبر 2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق