ثقافة المقاطعة .. ثقافة الرقي!
بدأت في هذه الأيام حملات لمقاطعة
شركات الاتصالات في دول خليجية عدة ، كانت انطلاقتها من المملكة العربية السعودية
فانتقلت إلى عمان وبدأت مؤخراً بدولة الامارات العربية المتحدة ، ومع أهمية هذه
الحملات التي تعبر عن تطور ملموس في مستوى وعي المواطن الخليجي بحقوقه ،وعن رقي في
اختيار طرق ووسائل التعبير عن الرأي ، وعن جمالية في انتقاء أساليب المطالبة بما
يعتقد المواطن بأنها من حقوقه ، في سبيل ايصال رسائل عميقة مضمونها " أريد
حقوقي كاملة بطريقة تحترم كياني وكرامتي وتعكس أهميتي كمشترك " ، وللأسف ،
بدأت في المقابل تظهر الكثير من الأصوات المثبطة التي لا تعكس سوى سطحية في النظر
وفراغ في الفكر وجهل في ملامسة الأهداف من حملات كهذه ! فمن تلك الأصوات ما يسخر
من مثل هذه الحملات قائلاً " مقاطعة لساعات قليلة لن تؤثر في أرباح الشركة
فأنتم تنامون أكثر من ثمان ساعات والشركات لم تخسر " ومنهم من يقول " أن
الشركات بالطريقة هذه ستستفيد بشكل أكبر حيث أنه وبانتهاء فترة المقاطعة سيكون
هنالك استخدام كبير لخدمات الاتصالات من شأنه إكساب تلك الشركات ربحاً إضافيا بدلا
من الخسارة " ! وغيرهم الكثير ، وحقيقة أقف متعجباً من أصوات غريبة كهذه ! من
قال لهؤلاء القوم أن الهدف من المقاطعة تحقيق خسائر لتلك الشركات ! لا أدري لما
" الفلسفة " الزائدة في موضوع كهذا !! نحن نعلم بل وعلى يقين بأن مقاطعة
الشركات لساعات معينة لن يكبدها خسائر تذكر ، لا سيما وأن الفواتير مدفوعة سواء
استخدمنا الشبكة أم لم نستخدمها ! نحن نعلم بأن الشركات يكفيها جداً الربح الذي
تحققه من العقود المبرمة مع الجهات الحكومية المختلفة والشركات ، نحن نعلم أن نسبة
كبيرة من أرباح شركات الاتصالات لا علاقة مباشرة لها بالمستخدم البسيط لخدمات
الاتصالات والانترنت وأنها تقدم خدمات كثيرة أخرى غيرها هي كفيلة بتحقيق أرباح بأرقام
خيالية ، نعم نعلم كل ذلك وأكثر ، لكن يبدوا أنك أنت تجهل جداً ياصديقي "
المثبط " وأنت ياصديقي " المتفلسف " الهدف الحقيقي والعميق لحملات المقاطعة
، حملات المقاطعة " الجماعية " ياصديقي لها أهداف سامية عميقة جداً
اهمها إيصال رسالة جماعية مباشرة للشركات ولأصحاب القرار بعدم قبول الوضع الحالي
للاتصالات من نواحي عديدة من بينها الخدمات المقدمة وجودتها وأسعارها ، إيصال
رسالة مباشرة بعدم قبول الإذعان لهم بهذه الطريقة المخجلة ! أعرفت الآن صديقي
" المتحذلق " أهداف المقاطعة ! فليست كل مقاطعة هدفها تكبيد خسائر مالية
، فما بالك إذا كانت تلك الشركات وطنية وتدر دخلاً لخزانة الدولة !
بالإضافة إلى ماتقدم ، أستغرب
حقيقة أيما استغراب من الصمت المطبق العجيب الذي تواجه به هذه الشركات حملات
المقاطعة حتى هذه اللحظة ، من الواجب – أخلاقيا – على هذه الشركات أن تتفاعل مع
المشتركين على الأقل من باب إظهار الاحترام وإظهار أهمية التعامل مع هذا الانسان
" كمشترك " ! أما أن تتم مقابلة كل هذا الحشد من الرسائل والتغريدات الخاصة
بدعوات المقاطعة والتشجيع عليها والتي يشارك فيها الصغير والكبير ، المرأة والرجل
، الاعلامي والقانوني والأستاذ والممرض والطبيب والجميع بهذا البرود والتجاهل
فأعتقد بأنه أمر مرفوض جملة وتفصيلا ويعكس عدم اهتمام من قبل هذه الشركات بالمشترك
وعدم جدية ولا احترافية في التعامل معه ! من جانب آخر ، عجيب هذا الصمت الغريب
الذي تبديه الهيئات المشرفة على تلك الشركات ! وكأن الأمر لا يعنيها ! وكأنها هي
في واد والمشتركين في واد آخر ! هل من المعقول أنها لم تعلم بحملات المقاطعة أم أن
على قلوب أقفالها ياترى ؟!
أخيراً ، أن تصل المجتمعات لهذا
المستوى من الرقي في اختيار أساليب ووسائل المطالبة بالحقوق لهو أمر في غاية
الجمال ، ويبعث السعادة والأمل في أن الشعوب الخليجية على وجه الخصوص بدأت تصل
لمستويات عالية من النضج الفكري ، ذلك النضج المسؤول الذي يجعل من مصلحة الوطن أولوية
كبرى وخط عريض تدور في نطاقه وحدوده جميع المطالبات الأخرى ، فهنيئا لنا بفكر كهذا
وهنيئا لنا هذا الرقي .
سعود الفارسي
6/10/2016م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق